مرحبا بك في موقع رؤيا الإخباري لتطلع على آخر الأحداث والمستجدات في الأردن والعالم

شهداء غزة

1
Image 1 from gallery

زفاف لم يكتمل.. قصف الاحتلال يسرق لحظة حياة من نازحي غزة

نشر :  
16:16 2025-12-20|
اخر تحديث :  
16:26 2025-12-20|
  • فرح مسروق وزفاف يتحول إلى مأتم

لا يكتمل الفرح في غزة، لا يمنح الوقت الكافي ليكبر، ولا يترك له مجال ليصدق نفسه، في غزة، حتى الضحكة تقال على استحياء، وكأنها تخشى أن تسمع في السماء فتستهدف، في ليلة كان يفترض أن تزف فيها حياة جديدة، تحول المشهد إلى وداع جماعي، واختلطت زغاريد ناقصة بصراخ مكتوم، وانطفأ حلم صغير تحت قذيفة لم تفرق بين عرس ومأتم.

ويوم الجمعة، تعرضت مدرسة تؤوي نازحين في حي التفاح شرقي مدينة غزة لقصف إسرائيلي عنيف، ما أسفر عن استشهاد خمسة فلسطينيين على الأقل وإصابة آخرين، وشمل القصف استخدام قذائف المدفعية، والقنابل الدخانية، وإطلاق النار المباشر على مدرسة شهداء غزة الواقعة مقابل مستشفى الدرة، وذلك أثناء إقامة حفل زفاف داخل المدرسة، ما أدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء والمصابين.

محاولة هروب من واقع الموت

لم يكن حفل الزفاف أكثر من محاولة بسيطة للهروب من واقع ثقيل، لحظة خاطفة أرادها نازحون ليقولوا لأنفسهم إنهم ما زالوا أحياء، وإن الحرب، مهما طالت، لم تنجح في قتل الرغبة بالحياة، داخل مدرسة تأوي عائلات اقتلعتها الحرب من بيوتها، تجمع العشرات، بلا زينة، بلا موسيقى حقيقية، بلا مظاهر فرح مكتملة، كان الفرح في غزة فقيرا، لكنه صادق.

لكن في غزة، حتى الفرح الفقير يعد ترفا غير مسموح به، دقائق قليلة كانت كافية ليمحى المشهد، ويعاد رسم المكان ببلغة الدم، قصف مدفعي مفاجئ أنهى كل شيء: العرس، الضحكات، والأجساد، ارتقى أطفال لم يعرفوا معنى الزفاف، ونساء لم يأتين إلا ليشاركن فرحة مؤجلة، ورجال لم يحملوا سوى أمل قصير العمر، هكذا، مرة أخرى، يكتب الغزيون قصتهم مع الفقد، لا كحدث عابر، بل كروتين يومي، روتين يعلمهم أن لا يفرحوا كثيرا، وأن لا يخططوا بعيدا، وأن يبقوا قلوبهم في حالة استعداد دائم للحزن.


وداع ثقيل في أروقة الشفاء

في صباح اليوم التالي من القصف المفاجئ لساحة الفرح، لم يكن مستشفى الشفاء الطبي غرب مدينة غزة مكانا للعلاج فقط، بل ساحة وداع ثقيلة، وجوه شاحبة، عيون حمراء، وأصوات مبحوحة من البكاء، جثامين مصطفة، وأسماء تنادى بلا إجابة، في غزة، لا يحتاج المشهد إلى وصف طويل؛ يكفي أن ترى أبا يلف بالكفن، وطفلا يحمل بلا حركة، لتفهم كل شيء.

صدمة الفقد والأحزان الخاصة

أحد الشبان، الذي فقد والده في القصف، لم يقو على الوقوف، جلس أرضا قرب الجثمان، وكأن المسافة بينهما لو زادت مترا واحدا ستصبح غير محتملة، طلب أن يترك وحده قليلا، أراد لحظة خاصة، أخيرة، لا تشاركها الكاميرات ولا الكلمات، في غزة، حتى الوداع يختصر، لأن الخوف من قصف جديد لا يغيب، النساء، من حوله، كون صورة أخرى للفقد، أمهات، شقيقات، قريبات، تجمعن في صمت تارة، وفي نحيب عال تارة أخرى، بعضهن فقدن أبناءهن، وأخريات فقدن أقارب، لكن القاسم المشترك بينهن كان الإحساس ذاته: الصدمة. صدمة أن يتحول الفرح إلى مأتم خلال ثوان.

الشهود يروون أن القصف لم يمنح أحدا فرصة للفهم أو الهرب، القذائف سقطت بلا إنذار، داخل مكان يفترض أنه آمن، وفي منطقة يسمح بالحركة فيها، المدرسة لم تكن موقعا عسكريا، ولم تضم سوى نازحين أنهكتهم الحرب، أطفال ينامون قرب أمهاتهم، شيوخ يبحثون عن ركن دافئ، وشباب يحاولون إقناع أنفسهم بأن الغد قد يكون أفضل.

بعد القصف، لم يكن الوصول إلى المكان سهلا، الخوف منع الناس من الاقتراب، والرصاص حاصر المكان، والإسعاف تأخر، بعض المصابين تركوا ينزفون، وبعض الجثامين بقيت تحت الأنقاض لساعات،في غزة، الموت لا يكتفي بالقتل، بل يطيل عذاب من بقي حيا.

معادلة البقاء والمصير المجهول

ومع تكرار هذه المشاهد، بات النازحون يعيشون معادلة قاسية: البقاء في مكان مهدد، أو الخروج إلى المجهول، كثيرون قرروا مغادرة المدرسة بعد القصف، ليس لأن لديهم بديلا، بل لأن الخوف من تكرار الاستهداف أصبح أكبر من احتمال التشرد.

بعضهم افترش الشارع، وبعضهم لجأ إلى مدارس أخرى، وكلهم يحمل السؤال ذاته: إلى أين؟ الاحتلال، كالعادة، يبرر، يحقق، ويغلق الملف، عبارات جاهزة لا تغير شيئا من الواقع، ولا تعيد طفلا قتل، ولا تمسح دمعة أم، التحقيقات لا تنقذ أحدا، ولا توقف القصف، ولا تمنح الغزيين شعورا بالأمان.

في غزة، لا يطلب الكثير، لا قصور، لا حفلات فاخرة، لا أحلام كبيرة، فقط لحظة فرح لا تقصف، وطفل يضحك دون أن يحسب هدفا، وعرس لا يتحول إلى جنازة، لكن حتى هذا، يبدو مطلبا مستحيلا، وهكذا، يمضي الغزيون في حياتهم المعلقة بين قصف وقصف، يتعلمون كيف يخففون صوت ضحكاتهم، وكيف يؤجلون أفراحهم، وكيف يودعون بسرعة، في غزة، لا يفرح الناس لأنهم لا يريدون، بل لأنهم لا يمنحون الفرصة، وإذا حاولوا، جاء القصف ليذكرهم بأن الفرح هنا جريمة غير مسموح بها.